قيل أن “والدتها من الجن”.. قصّة بلقيس ابنة الهدهاد ملكة سبأ مع نبي الله سليمان.. وهذا ما قاله والدها عن لقائه بقبائل “عرم”
مدى بوست – فريق التحرير
كان في اليمن ملكٌ قوي يدعى الهدهاد ابن حمير الأصغر، وقد كان من ملوك حمير العظماء، إلا أنه لم يرزق بأولاد يملكون ويرثون حكمه، ولم يكن لديه سوى ابنة واحدة اسمها “بلقيس”.
عندما شعر الهدهاد ابن حمير الأصغر بأنه سيــرحـ.ـل عن الدنيا، اجتمع حوله أعيان قومه من أجل أن يعين لهم ملكاً عليهم من بعده، فاقترح عليهم أن يعينوا ابنته بلقيس ملكةً عليهم، حسبما ذكرت مصادر تاريخية بينها كتاب “قصص الأنبياء، والبداية والنهاية”.
رأى الهدهاد في وجوده قومهم عدم الرضى على تعيين امرأة ملكة عليهم، فأخبرهم بأن معظم الأمور التي كان يقوم بها والقرارات التي يصدرها كانت تتم بالمشورة مع ابنته بلقيس، مؤكداً لهم بأنها شابة ذات رأي سديد وحـ.ـزمٍ وعزم.
ويقال أن قومه أجابوه وقبلوا بها وريثة لعرش والدها، فأصبحت الملكة عليهم، فيما تذهب بعض المصادر التاريخية إلى أن القوم لم يقبلوا برأي الهدهاد، وأصروا على رجلٍ يحكمهم، فعين ابن خال بلقيس ملكاً عليهم وقد كان غلاماً، فكانت بلقيس هي التي تشير عليه بما يفعل إلى أن انتشر الأمر بين أهالي اليمن الذين رأوا بالغلام ملكاً صورياً، فأقروا بملك بلقيس عليهم.
وأياً كانت الطريقة التي وصلت بها بلقيس إلى حكم مملكة سبأ في اليمن، إلا أن الثابت في التاريخ أنّها حكمت، وكانت صاحبة عقلٍ ورأي سديد وذلك مشهور عليها في التاريخ ولها العديد من القصص التي سنشير لها في وقتٍ لاحق.
مرت الأيام وبلقيس ملكة على سبأ إلى أن جاء يوم وزارهم الهدهد، فكان ذلك الطير موجوداً في مملكة سبأ التي تحكمها بلقيس، ومفقـ.ـودٌ في مملكة سليمان نبي الله.
شاهد الهدهد أهالي مملكة سبأ يعبدون الشمس، وكونه مقرباً من نبي الله سليمان، فهو يعلم أن ما يفعلونه من عبادة لغير الله هو “نبأ عظيم” ويجب نقله إلى نبي الله سليمان.
وقد جرت العادة في مجلس النبي سليمان عليه السلام، أن لكل حيوان أو إنسان أو جان من حاشيته مكانٌ في مجلسه، وقد كان موقع الهدهد خالياً، فسأل عنه النبي سليمان ووعد بأن يقوم بتعـ.ـذيبه أو ذبـ.ـحه أو أن يأتيه بسلطان مبين، أي عذراً واضحاً عن سبب غيابه.
وصل الهدهد إلى مجلس النبي سليمان، وأخبره أنه جاءه من سبأ بنبأ يقين، وأخبره أنه وجد امرأ أوتيت من كل شيء من الأموال والجيوش وغير ذلك، ولديها عرشٌ عظيم، وهي وقومها يعبدون الشمس من دون الله.
فكان ما قاله الهدهد أمراً هاماً، لكن سليمان عليه السلام أجابه بأن سينظر في الأمر ويتبين الحقيقة، وأمر بأن يتم كتابة كتاب، أي رسالة إلى بلقيس، وأمر الهدهد أن يلقيها إليهم ويذهب عنهم إلى أن ينظروا في أمرهم.
فذهب الهدهد بالرسالة إلى قوم بلقيس، وأوصل لهم الرسالة، فجمعت وجهاء قومها، وأخبرتهم أن هذا الكتاب من سليمان، ومضمونه يقول “ان لا تعـ.ـلوا علي وأتوني مسلمين”، وقد كان ذلك خطاباً قوياً من النبي سليمان لأهل سبأ الذين كانوا يرون في أنفسهم قوم حـ.ـرب وأصحاب قوة كذلك، وقالوا لبلقيس أن الأمر له.
فأجابتهم بلقيس بأن “الملوك إذا دخلوا قرية أفسـ.ـدوها، وجعلوا أعزّة أهلها أذلة”، ولم ترى بلقيس الاستسـ.ـلام المبكر، فرأت أن يتم إرسال الهدايا إلى سليمان، ورأت بذلك أنه لو كان ملكاً سيقبل الهدايا ونعلم أن طمـ.ـعه للمال، وإن كان نبياً يكون أمراً آخر.
عندما وصلت الهدايا إلى نبي الله سليمان من وفد بلقيس، لم يقبل بها، وأنـ.ـكر عليهم ذلك، بأن مال الدنيا كله لدي، وأن الله قد أعطاني شيئاً خيراً منه، وأمرهم أن يعودوا إلى بلادهم، متـ.ـوعداً أن يأتيهم بـ”جنودٍ لا قبل لهم بها، وأن يخرجهم من مملكة سبأ أذلة صاغـ.ـرين”.
عادت وفود بلقيس إلى الملكة بالهدايا، وأخبروها بما كان من سليمان، فعلمت أنه ليس ملكاً وإنّما نبي، فأرادت أن تذهب إليه بنفسها.
وقد كان لديها عرشاً عظيماً وهو “كرسي الملك”، فأوحى الله لنبيه سليمان بأن يأتِ بعرشها، فأراد سليمان أن يأت بعرشها، وسأل حاشيته من يأتني بعرشها قبل أن تأت هي وقومها مسلمين، وقد كان لديه عفريت (وهو نوع من أنواع الجن الأقوياء).
وقد كان للنبي سليمان مجلساً معتاداً مع أهل مملكته، كأن تكون الفترة المعتادة بأن يجلس من الفجر حتى الظهيرة، فقال له العفريت أن آتيك به (أي العرش) قبل أن تقوم من مقامك هذا، أي قبل أن تنتهي الجلسة، وتراني عليه قوياً أمين، أي مهما كان ثقل وزنه سأحضره، ومهما كان به لن يضيع.
لكن الثاني الذي لديه علم من الكتاب كما ورد في القرآن الكريم، قال لنبي الله سليمان “أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك”، أي مجرد أن ترمش بعينك تجده عندك.
وبالفعل، أتى العرش لسليمان، وأول ما استقر عنده قال “هذا من فضل ربي”، وطلب من حاشيته أن ينكـ.ـروا عليها عرشها، لينظر إن كانت بلقيس ستعرف عرشها أم لا.
وفي تلك اللحظات أمر نبي الله سليمان الجن لديه أن يبنوا قصراً من زجاج على أطراف البحر، وأن يملؤه بالأسماك والأحياء البحرية وأن تكون أرضيته من زجاج، بحيث من لا يدري يظن أن الأرضية هي الماء، ووضعوا عرش سليمان أعلى القصر وتحته الأحياء البشرية، ليظن من يشاهده أن عرشه على الماء.
وأول ما وصلت بلقيس إلى سليمان عليه السلام، سألوها أهكذا عرشك، فأجابت “كأنه هو”، وهي إجابة بالغة الذكاء، فهي عرفته، لكنها لم تسأل كيف أحضرتموه؟ ولم تقل لا ليس هذا هو، فكانت الإجابة ليست نفـ.ـي وليست تأكيد.
وبعد أن توجهت لمقابلة نبي الله سليمان، وقفت هي ووفدها في ذهول أمام الصرح العظيم، والذي ظنوا أن أرضيته ماء البحر، فرفعت ثوبها وبدأت بالتقدم كي لا يبتل بالماء.
فقال لها سليمان عليه السلام، صرح ممرد من قوارير، أي أن لا أحد منكم سيبـ.ـتل، فكان إيمان بلقيس كما ذكره القرآن الكريم، بأن قالت “ربِ إن ظلمـ.ـت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين”.
قصة والد بلقيس الهدهاد بن حمير.. وهل كانت والدتها من الجن؟
تذكر بعض المصادر التاريخية أن والد بلقيس الهدهاد ابن حمير الأصغر، كان في أحد الأيام خارجاً للصيـ.ـد مع حاشيته، وأثناء مروره في أحد وديان اليمن، رأى ذئباً يلاحق غزالاً وقد كاد يدركه، وأحب الهدهاد أن يأخذ الغزال من الذيب.
وبالفعل، طـ.ـرده وبات يلاحق الغزال ليرى أين سيذهب، وأثناء ملاحقته للغزال في أحد أودية اليمن، دخل الغزال من فتحة فكانت المفاجأة، حيث رأى مدينة كبيرة فيها قلاع وقصور وأنعام ونساء ورجال.
كان سبب ذهـ.-ول الهدهاد هو أنه كان الملك، ووجد مدينة كاملة في مملكته لم يعلم بأمرها من قبل، وفي تلك الأثناء جاءه رجلٌ يدعى اليلب ابن الصـ.ـعب ، وسأله عن سبب استغـ.ـرابه، وأخبره أنه هذا حي في مأرب من الجن تسكنه قبائل عرم وأنه هو أي اليلب ملك هذا الحي.
وفي تلك الأثناء، مر بجوارهما امرأة شديدة الجمال، فأبدى الهدهاد إعجاباً كبيراً بها وقد بدا ذلك في وجهه دون أن يتكلم، فقال له اليلب إن أردت زوجناك بها، فسأله الهدهاد، من لي بذلك، فأجابه أنا أفعل ذلك، ثم سأله ألم تعرفها؟
فأجابه أن لا، هذه أول مرة أراها فيها، فقال له هذه الغزالة التي أنقـ.ـذتها قبل قليل من الذئب، وسنزوجها لك رداً للجميل، لكن ليس الآن، بل تذهب وتأتي بخاصة أهلك وقومك وتأتي لنا الشهر القادم، حسبما ذكر في قصيدة للهدهاد.
عاد الهدهاد إلى قومه، وهو مستغـ.ـرب مما حدث معه، وكان في حيرةٍ من أمره، وإن كان يجب أن يخبر بما رأه وهل سيصدقونه، وأخذ في تلك الأثناء ينشد قائلاً:” عجائب الدهر لا تفـ.ـنى أوابدها والمرء ما عاش لا يخلو من العجب، ما كنت أحسب أن الأرض يعمرها إلا الأعاجم في الآفاق والعرب”.
وأضاف في قصيدته “وكنت أخبر بالجن الخفاة فلا أرد أخبارهم إلا إلى الكـ.ـذب، حتى رأيتُ مقاصيراً مشيدة للـجن محفـ.ـوفةَ الأبواب والحجب يحفها والماء والزرع المحيط به مع المواقير من نخل ومن رطب (المواقير هو كثير الخير) وكل بيضاء تحكي الشمس ضاحكةً هيفاء لفاء من موصوفة العربِ”.
ويتابع “يمضي جماد ويأت بعده رجب وسوف آتي على الميعاد من رجب ، حتى أوافي خيار الجن من عرمٍ عن ابن صعـ.ـب وهو المعروف باليلب نبغي لديه الذي نادى ومنّ به من التواصل والإصهار والنسب”.
وبعد أن انتهى شهر جماد، وجاء رجب جمع الهدهاد خاصة أهله وحاشيته وتوجه إلى الوادي الذي فيه الموعد، وما إن وصل حتى رأى قصراً كبيراً محفوفاً بالنخل في الوادي خارج مدينة الجن، حسبما ذكر في كتاب “ملوك حمير وأقيال اليمن”.
وكان على رأس الجن ملكهم اليلب، وقد استقبلوهم استقبالاً عظيماً، ووجدوا لديهم رفاهية أكبر من تلك التي كانوا يعيشونها ملوك اليمن، وكذلك الطعام، فوجودا حياة مختلفة.
ويقال أن الهدهاد وقومه جلسوا لثلاثة أيام في ضيافة اليلب وقومه، ثم زوجوه الحرور ابنة اليلب وأخذها الهدهاد، ويقال أنه عاش معها إلى أن أنجبت له بلقيس التي ملكت وكانت لها القصة المذكورة أعلاه مع نبي الله سليمان.
يشار إلى أن ما ورد في هذه القصة منقول عن مصادر تاريخية، وجله قد تم ذكره في كتاب “ملوك حمير وأقيال اليمن”، والثابت الصحيح فيها هو ما ورد ذكره في القرآن الكريم عن قصة بلقيس، وهو في الآيات التالية.
يشار إلى أن اسم بلقيس هو اسم مركب مثل حضرموت وبعلبك وهي لم تذكر في القرآن الكريم باسم بلقيس، ولكن كتب التاريخ سمتها بلقيس.
ويقال أن اسمها الحقيقي بلق وهو اسم نوع من أنواع الحجر الساطع، والقسم الآخر من اسمها يقال أنه كان اسم آلهة الشمس، ليكون المقصود بالاسم هو “وهج الشمس”.